سورة الطور - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)}
وقرئ: {يتربص به ريب المنون}، على البناء للمفعول. وريب المنون. ما يقلق النفوس ويشخص بها من حوادث الدهر. قال:
أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تتَوَجَّعُ ***
وقيل: المنون الموت، وهو في الأصل فعول؛ من منه إذا قطعه؛ لأن الموت قطوع؛ ولذلك سميت شعوب قالوا: ننتظر به نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء: زهير والنابغة {مّنَ المتربصين} أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي {أحلامهم} عقولهم وألبابهم. ومنه قولهم: أحلام عاد. والمعنى: أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض في القول، وهو قولهم: كاهن وشاعر، مع قولهم مجنون. وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهى {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} مجاوزون الحدّ في العناد مع ظهور الحق لهم.
فإن قلت: ما معنى كون الأحلام آمرة؟ قلت: هو مجاز لأدائها إلى ذلك، كقوله تعالى: {أصلواتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا} [هود: 87] وقرئ: {بل هم قوم طاغون} {تَقَوَّلَهُ} اختلقه من تلقاء نفسه {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن، مع علمهم ببطلان قولهم، وأنه ليس بمتقول لعجز العرب عنه، وما محمد إلا واحد من العرب. وقرئ (بحديث مثله) على الإضافة، والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه: أن مثل محمد في فصاحته ليس بمعوز في العرب، فإن قدر محمد على نظمه كان مثله قادراً عليه، فليأتوا بحديث ذلك المثل: {أَمْ خُلِقُواْ} أم أحدثوا وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم {مِنْ غَيْرِ شَيْء} من غير مقدّر {أَمْ هُمُ} الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق {بل لا يوقنون} أي إذا سئلوا من خلقكم وخلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، وهم شاكون فيما يقولون، لا يوقنون. وقيل: أخلقوا من أجل لا شيء من جزاء ولا حساب؟ وقيل: أخلقوا من غير أب وأم؟ {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ} الرزق حتى يرزقوا النبوّة من شاؤا. أو: أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة؟ {أَمْ هُمُ المسيطرون} الأرباب الغالبون، حتى يدبروا أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم ومشيئتهم؟ وقرئ {المصيطرون} بالصاد {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} منصوب إلى السماء يستمعون صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون؟ {بسلطان مُّبِينٍ} بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم. المغرم: أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه، أي: لزمهم مغرم ثقيل فدحهم فزهدهم ذلك في أتباعك؟ {أَمْ عِندَهُمُ الغيب} أي اللوح المحفوظ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما فيه حتى يقولوا لا نبعث، وإن بعثنا لم نعذب {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين {فالذين كَفَرُواْ} إشارة إليهم أو أريد بهم كل من كفر بالله {هُمُ المكيدون} هم الذين يعود عليهم وبال كيدهم ويحيق بهم مكرهم. وذلك أنهم قتلوا يوم بدر. أو المغلوبون في الكيد، من كايدته فكدته.


{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)}
الكسف: القطعة، وهو جواب قولهم: {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 92] يريد: أنهم لشدّة طغيانهم وعنادهم لو أسقطناه عليهم لقالوا: هذا سحاب مركوم بعضه فوق بعض يمطرنا، ولم يصدقوا أنه كسف ساقط للعذاب. وقرئ: {حتى يلقوا} ويلقوا {يُصْعَقُونَ} يموتون. وقرئ: {يصعقون}. يقال. صعقه فصعق، وذلك عند النفخة الأولى نفخة الصعق {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} وإن. لهؤلاء الظلمة {عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} دون يوم القيامة: وهو القتل ببدر، والقحط سبع سنين، وعذاب القبر. وفي مصحف عبد الله: دون ذلك تقريباً.


{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}
{لِحُكْمِ رَبّكَ} بإمهالهم وما يلحقك فيه من المشقة والكلفة {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} مثل، أي: بحيث نراك ونكلؤك. وجمع العين لأنّ الضمير بلفظ ضمير الجماعة. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِى} [طه: 39]. وقرئ: {بأعينا}، بالإدغام {حِينَ تَقُومُ} من أي مكان قمت. وقيل: من منامك {وإدبار النجوم} وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل. وقرئ: {وأدبار}، بالفتح بمعنى في أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت، والمراد الأمر بقول: سبحان الله وبحمده في هذه الأوقات.
وقيل التسبيح: الصلاة إذا قام من نومه، ومن الليل: صلاة العشاءين، وأدبار النجوم: صلاة الفجر.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الطور كان حقاً على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته».

1 | 2 | 3